الحلقة الثانية : عمر بن الخطاب رضي الله عنه
أيُّ قلبٍ ذاك الذي يجمعُ بين الحنان الدافق والعَدل المُنصف...قامتُه الشمّاء تفوق الجبال هيبةً ولكنّها، تنحني وتتواضع لطفلٍ صغير أو عجوز طاعنة... عيونه سهامٌ حادّة تُرهب أعداءَ الله ورسوله في النهار، وسحابةٌ نديّة تهمي بالدمع بين يدي الخالق في الليل.
كان صُلباً شديداً مع الكفار والقُساة، ورحيماً ليّناً مع المسلمين الفقراء والمساكين.
قلّده ملوكُ الدّنيا وحكّامُها وسامَ العَدل الرّفيع، وشهادة الفارس الصّنديد الذي لا يخشى في الله لومة لائم...
إنه البطل الذي يخاف منه الشيطانُ ويفرّ....
هاجر علانيةً أمام أنظار المشركين فكان بطلاً في هجرته.. وبطلاً في بدر.. وبطلاً في أحد.. وبطلاً في جوف الليل بين يدي ربه.. وبطلاً في النهار بين رعيته.. كان ينصح ويقول: لا تقع فيما لا يعنيك واعرِف عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين ولا أمين إلا من يخشى الله.
إنّه عمر بن الخطاب بن نفيل العدويّ القُرشيّ، ولد بمكّة سنة أربعين قبل الهجرة، يُكنى أبا حفص.
كان لإسلامه أثرٌ كبيرٌ في رفعة الإسلام، فلقّبه رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بالفاروق؛ لأنّه فرق بين الكفر والإيمان...وكان أحدَ العشرة المبشّرين بالجنّة.
- قال عبد الله بن مسعود: "إنّ إسلام عمر كان فتحاً، وإنّ هجرته كانت نصراً، وإنّ إمارته كانت رحمة، ولقد كنّا ما نُصلّي عند الكعبة حتى أسلمَ عمر، فلما أسلم قاتل قريشاً حتى صلّى عند الكعبة وصلّينا معه".
- خلف أبا بكر في الخلافة، وكان أول من سُمّي بأمير المؤمنين.
- كانت خلافته خيرًا وعزًّا للمسلمين؛ فهو أول من وضعَ التاريخ الهجريّ، وأول من أدخلَ نظام العسس، وأوّل من دوّنَ الدواوين في الإسلام، وهي ديوان الجند وديوان الخراج
- فتحَ العراقَ وفارس والشام ومصر، وتمّ في عهده بناءُ مدينتي الكوفة والبصرة في العراق ومدينة الفسطاط في مصر.
هذه هي حياة عمر الفاروق التي كانت ربيعاً زاهياً يمتّع النفوس، ويوسّع الصدور، وكانت خلافته - التي دامت عشرَ سنين وستّة أشهر- مثالاً للعدل والصّدق والزّهد والتّواضع.. وظلّ عمر - رضي الله عنه- يسطّر المآثر تلو المآثر حتى امتدّت إلى جسمه الشّامخ يدُ كافرٍ مملوكٍ فارسي اسمه فيروز ويعرف بأبي لؤلؤة فطعنه، وعندما عرفَ عمرُ من طعنه، قال: الحمد لله إذ لم يقتُلْني رجلٌ سجدَ لله". استُشهد - رضي الله عنه - سنة ثلاث وعشرين للهجرة، ودُفن إلى جوار الحبيب المصطفى وأبي بكر الصّديق...
رضي الله عنك يا عمر الفاروق، وجزاك الله عنّا وعن الإسلام خيراً...
الحلقة الثالثة : عثمان بن عفّان رضى الله عنه
قصّة الحياء الشذيّ، والإيمان النديّ، والقلب الزكيّ... والورَع المحبَّب.
ريحانةٌ زاهية، ونخلة باسقة ، نَمت في ظلال التوحيد، وترعرعت في ظلال القرآن الكريم.
عيونٌ دامعة من خشية الله ، ووجه يتهلّل بالنور، ويتدفّقُ بالبِشر، ونفسٌ أنقى من الثّلج، وأطهر من السحابة البيضاء في حضن السّماء...
عُرف بدماثة الخلق، ورقّة الطّبع، ورهافة الإحساس. وكان من العشرة المبشّرين بالجنّة.
إنّه عثمان بن عفان الذي ولد بالطائف سنة سبع وأربعين قبل الهجرة.
وكان يُكنى بأبي عمرو..
لُقّب بذي النورين؛ لأنّه تزوّج بنتي رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- رقيّة وأم كلثوم.
- هاجر الهجرتين، وكان أحد كتاب الوحي.
- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "من يحفر بئرَ رُومة فله الجنّة"، فحفرها عثمان، وقال: "من جهّزَ جيشَ العثسرة فله الجنّة"، فجهّزه عثمان. فما أكرمَك وأجودَكَ يا عثمان ! ما أشدّ غيرتَك على المسلمين!
ما أعلى همّتكَ في البَذل العطاء!
- ثمّ تأمّلوا ما قاله رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- عن عثمان: "ألا أستحيي من رجلٍ تستحيي منه الملائكة".
- إنّه خليفة المسلمين الثالث... عُرف بالزهد والورع والكرم وكثرة التصدّق...
- ومن أبرز أعماله -رضي الله عنه- كتابةُ القرآن الكريم في مصحف واحد، عُرفَ بالمصحف العثمانيّ، وإرسالُ نُسَخٍ منه للبلدان الإسلاميّة... كما وسّع - رضي الله عنه- المسجدَ الحرام والمسجدَ النبويّ عندما ضاقا بالمصلّين.
- ثمّ في سنة ست وعشرين للهجرة أرسلَ -رضي الله عنه- جيشاً بقيادة عبد الله بن أبي السّرح إلى تونس ففتحها، وفتحَ بلاد النّوبة سنة اثنتين وثلاثين للهجرة...
هذه هي سيرةُ الخليفة التقيّ الذي أعطى الإسلام والمسلمين حُبّه وماله ووقته وتفكيره طوال اثنتي عشرة سنة أمضاها في الخلافة.
استُشهد سنة خمسٍ وثلاثين من الهجرة وعمره اثنتان وثمانون سنة، رضي الله عنه وأرضاه، وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.
( ولى عودة فى مشاركة قادمة إن شاء الله تعالى )