مدخل لفهم القصة :
جاء في المأثور :
كن جميلا ترى الوجود جميلا
*********************
باكورة ُيوم ٍتشريني غائم،ٍ السحب ُالكثيفة تبلل ثغر السماء ، وأشعه الشمس تلسع أديم شاطي تلك المدينة الساحلية بين الحين والآخر. ولكن لا شيء يتوقف عن الحركة في المدينة ، فالشوارع ينوء كاهلها بخطوات المارة كما جرت العادة .
ورغم ان هذا أول يوم غائم خلال ثلاثة اشهر من صيف ساخن ، إلا أن حنين سكان المدينة مازال يتوق لايام الصيف الرطبه العطشى .
جلست بشرى في شرفة بيتها ترتشف ُكأسا من القهوة السادة ، ترمق بجمود خيوط شمس ٍ بدأت تسد الافق رويدا رويدا لتعانق جدران المباني، أحست أن ثمة جبلا جاثما على صدرها ، نبضات قلها في ماراثون صاروخي .
بدأت تمارس طقوسها الصباحية في تنظيف البيت ، لم تنس ان تمسح الغبار المتطاير على تلك اللوحة التي تتوسط صالة الشقة، اللوحة عبارة عن طفلة صغيرة دامعة العينين ، كان هذا المنظر يداعب ذائقتها التي تجنح دوما لما هو حزين .
أدارتت قطعة من الموسيقى الحزينة التي تعشقها لتطرد الضجر الذي خمنت أنه وراء تسارع نبضات قلبها ، وعلى تلك الأنغام خلعت ملابسها استعدادا لحمام صباحي قبل التوجه للعمل .
شعرت باسترخاء مؤقت على بخار الماء الساخن الذي يداعب مسامات جلدها . ولكن النبض مازال يتسارع ، بيد أنها لم تعطه مساحة واسعة من التفكير .
نزلت السلم وشقت طريقها الى الشارع. وعيناها لا تكفان عن رفع البصر صوب السماء الغائمة. انه يوم غير عادي في حياتي العادية ! ، ولكن أي غرابة في هذا ، إن هذا أول تشرين ! ، ثم ارتسمت بسمة باهتة على شفتيها .
شقت طريقها باتجاه قطارات الانفاق ، لا تزال تشعر بالثقل على صدرها. جلست في مقدمة المقطورة ، تحدج في تلك الوجوه المألوفة التي اتخذت ملامح موحدة من اللامبالاة، تساءلت ما إذا كانت تلك الكائنات الحيه تحمل أي مشاكل.
كانت متعبة كالعادة عندما وصلت عملها ،سحنتها المليئة بالضجر ، لم تفاجأ دهشة زملائها الذين ألفوا هذا الوجه المفعم بالكآبة ، حدجت الموظفين في المكتب، كما لو كانت تراهم من جديد. هل هوالتغيير؟ مستحيل.إن هذا العِرق البشري لا يمكن أن يتنازل البتة عن إخلاصه لمباديء الكآبة . كان زملائها- في الواقع - يحملون وجهة النظر نفسها تجاهها
أدارت الكرسي صوب نافذة مكتبها ، ترمق ظلال السحب الكثيفة محاولة أيجاد نوع من صلة بين ما يجري في السماء وما يعتور قلبها من ثقل. و ربما كانت الشخص الوحيد في تلك الأثناء من كان يفكر للخروج من النافذة الى السماء.
عادت إلى البيت، حيث أقامت نحو ساعة في الحوض. على ألانغام الحزينة، مخمنة ان حماما دافئا طويلا سينتشلها اخيرا من هذا الشعور ، بيد انها لم تقو تلك الموسيقى ولا الماء الدافئ أو حتى القليل من اليانسون على فعل اي شيء.
خرجت من الحوض ودست نفسها في السرير. كانت ليلة شتائية، جميع النوافذ كانت مغلقة. بقيت في الفراش لساعة ، او ساعتين ، النوم يصفع عينيها والوسادة ترفس رأسها . وغدت محاولة الاضطجاع ضربا من العبث أمام تمنّع هذا النوم .
في وقت لاحق من تلك الليلة ، وكنوع من النشاط المضاد لضجر ، قلبت إحدى الكتب التي اهدتها زميلة لها مؤخرا بعنوان "دعوة للسعادة " ، أثار انتباهها عبارة تقول :
" استيقظ وعش " !!
فكرت قليلا : " حسنا ولم َ ؟ إنها نظرية تستحق التجربة "
أدارت قطعة من الموسيقى الكلاسيكية المرحة . ابتسمت وبدأ تسارع نبضاتها يخفت تدريجيا على صوت الموسيقى الهادئة الذي يعانق جدران الشقة. تسلل إليها شعور غريب بالسعادة .
"علي أن أنفذ مهمتي الآن "
حدثت نفسها وهي تنزل تلك اللوحة الدامعة من الصالة ، ثم وضعت مكانها إحدى لوحات كلود مونيت البهيجة .
وفي صباح اليوم التالي كان كل شيء يوحي بالجِدة ، الشمس تتسلق كتف السماء وتعانق اشعتها سهول تلك المدينة بحنو . كانت بشرى في وضع استثنائي من البهجة ، لاحظت أن الناس كلهم مبتهجون وقد غادرت الكآبة وحوههم ، وصلت لعملها و تلك الابتسامة تغطي تضاريس وجهها . كان الفضول يتصارع على الألسنة موظفي مكتبها. ولكن كيف و لماذا؟
منقول